فصل: (سورة سبأ: الآيات 52- 54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة سبأ: آية 51]:

{وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51)}.
{وَلَوْ تَرى} جوابه محذوف، يعنى: لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة. ولو وإذ والأفعال التي هي {فزعوا} وأخذوا وحيل بينهم: كلها للمضى. والمراد بها الاستقبال، لأن ما اللّه فاعله في المستقبل بمنزلة ما قد كان ووجد لتحققه، ووقت الفزع: وقت البعث وقيام الساعة. وقيل: وقت الموت. وقيل: يوم بدر.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: نزلت في خسف البيداء، وذلك أنّ ثمانين ألفا يغزون الكعبة ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم {فَلا فَوْتَ} فلا يفوتون اللّه ولا يسبقونه. وقرئ: {فلا فوت} والأخذ من مكان قريب: من الموقف إلى النار إذا بعثوا. أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا. أو من صحراء بدر إلى القليب. أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم. فإن قلت: علام عطف قوله {وَأُخِذُوا}؟
قلت: فيه وجهان: العطف على فزعوا، أي: فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم. أو على لا فوت، على معنى: إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا. وقرئ: {وأخذ} وهو معطوف على محل لا فوت ومعناه: فلا فوت هناك، وهناك أخذ.

.[سورة سبأ: الآيات 52- 54]:

{وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}.
{آمَنَّا بِهِ} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم لمرور ذكره في قوله {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} والتناوش والتناول: أخوان إلا أنّ التناوش تناول سهل لشيء قريب، يقال ناشه ينوشه، وتناوشه القوم. ويقال: تناوشوا في الحرب: ناش بعضهم بعضا. وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا: مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه وقرئ {التناؤش} همزت الواو المضمومة كما همزت في أجؤه وأدؤر وعن أبى عمرو {التناؤش} بالهمز التناول من بعد من قولهم: نأشت إذا أبطأت وتأخرت. ومنه البيت:
تمنّى نئيشا أن يكون أطاعنى

أى أخيرا {وَيَقْذِفُونَ} معطوف على قد كفروا، على حكاية الحال الماضية، يعنى: وكانوا يتكلمون بِالْغَيْبِ ويأتون به {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} وهو قولهم في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاعر. ساحر. كذاب. وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي، لأنهم لم يشاهدوا منه سحرا ولا شعرا ولا كذبا، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله، لأن أبعد شيء مما جاء به: الشعر والسحر، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت: الكذب والزور: وقرئ: {ويقذفون بالغيب} على البناء للمفعول، أي: يأتيهم به شياطينهم ويلقنونهم إياه، وإن شئت فعلقه بقوله {وَقالُوا آمَنَّا بِهِ} على أنه مثلهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة، وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئا من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبا عنه شاحطا، والغيب: الشيء الغائب، ويجوز أن يكون الضمير للعذاب الشديد في قوله {بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ} وكانوا يقولون: وما نحن بمعذبين، إن كان الامر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب، ونحن أكرم على اللّه من أن يعذبنا، قايسين أمر الآخرة على أمر الدنيا: فهذا كان قذفهم بالغيب، وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة، لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف {ما يَشْتَهُونَ} من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة. أو من الردّ إلى الدنيا، كما حكى عنهم {فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا} {بِأَشْياعِهِمْ} بأشباههم من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم مُرِيبٍ إما من أرابه، إذا أوقعه في الريبة والتهمة. أو من أراب الرجل، إذا صار ذا ريبة ودخل فيها، وكلاهما مجاز إلا أنّ بينهما فريقا: وهو أنّ المريب من الأول منقول ممن يصح أن يكون مريبا من لأعيان إلى المعنى، والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك، كما تقول: شعر شاعر.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبىّ إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل مَنْ يرزُقُكم مِنَ السموات} يعني المطر {والأرضِ} يعني النبات والثمر.
وإِنما أُمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجًا عليهم بأن الذي يرزُق هو المستحِقُّ للعبادة، وهم لا يُثبتون رازقًا سواه، ولهذا قيل له: {قُلِ اللّهُ} لأنهم لا يُجيبون بغير هذا؛ وهاهنا تم الكلام.
ثم أمره أن يقول لهم: {وإِنَّا أو إِيَّاكم لَعَلَى هُدىً أو في ضلال مُبينٍ} مذهب المفسرين أن أو هاهنا بمعنى الواو.
وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإِنَّا لَعَلَى هُدى، وإِنَّكم لفي ضلالُ مبين.
وقال الفراء: معنى: أو عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربيَّة على غير ذلك، لا تكون أو بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوَّض، كما تقول: إِن شئت فَخُذ درهمًا أو اثنين، فله أن يأخذ واحدًا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة؛ وإِنما معنى الآية: وإِنّا لضالُّون أو مهتدون، وإِنكم أيضًا لضالُّون أو مهتدون، وهو يَعْلَمُ أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالُّ، كما تقول للرجل تكذِّبه: واللّهِ إِنَّ أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذَّبْتَه تكذيبًا غير مكشوف؛ ويقول الرجل: والله لقد قَدِم فلان، فيقول له من يَعْلَم كذبه: قل: إِن شاء الله، فيكذِّبه بأحسنَ من تصريح التكذيب؛ ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتَعَه الله، ويقول بعضهم: كاتعه الله؛ ويقولون: جوعًا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جودًا، وبعضهم يقول: جوسًا؛ ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإِنما هي في معنى {ويلك} إِلا أنها دونها.
قوله تعالى: {قل لا تُسألون عمَّا أَجرمنا} أي: لا تؤاخَذون به {ولا نُسألُ عمَّا تَعلمون} من الكفر والتكذيب؛ والمعنى: إِظهار التبرِّي منهم.
وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.
قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بيننا ربُّنا} يعني عند البعث في الآخرة {ثُمَّ يَفْتَحُ بيننا} أي يقضي {بالحقِّ} أي: بالعدل {وهو الفتَّاح} القاضي {العليمُ} بما يقضي {قل} للكفار {أرونيَ الذين أَلحقتم به شركاء} أي: أَعلِموني من أيِّ وجه ألحقتموهم وهم لا يخلُقون ولا يرزُقون {كَلاَّ} ردع وتنبيه؛ والمعنى: ارتدِعوا عن هذا القول، وتنبَّهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه.
قوله تعالى: {وما أرسلناكَ إِلاَّ كافَّةً للنَّاس} أي: عامَّة لجميع الخلائق.
وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إِلاَّ للناس كافَّةً.
وقيل: معنى {كافة للناس} تكفُّهم عمَّا هُم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة.
{ويقولون متى هذا الوَعْدُ} يعنون العذاب الذي يَعِدُهم به في يوم القيامة؛ وإِنما قالوا هذا، لأنهم يُنْكرون البعث، {قُلْ لكُم ميعادُ يوم} وفيه قولان.
أحدهما: أنه يوم الموت عند النَّزْع والسّياق، قاله الضحاك.
والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {وقال الذين كَفَروا} يعني مشركي مكَّة {لن نؤمِن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} يعنون التوراة والإِنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إِنّ صفة محمد في كتابنا، فكفر أهلُ مكَّة بكتابهم.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: {ولو ترى إِذ الظالمون} يعني مشركي مكة {موقوفون عند ربِّهم} في الآخرة {يَرْجِعُ بعضُهم إِلى بعض القولَ} أي: يَرُدُّ بعضُهم على بعض في الجدال واللَّوم {يقول الذين استُضعفوا} وهم الأتباع {للذين استكبروا} وهم الأشراف والقادة: {لولا أنتم لكُنَّا مؤمنين} أي: مصدِّقين بتوحيد الله؛ والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإِيمان؛ فأجابهم المتبوعون فقالوا: {أنحن صددناكم عن الهُدى} أي: منعناكم عن الإِيمان {بعد إِذ جاءكم} به الرسول؟ {بل كنتم مجرمين} بترك الإِيمان- وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببًا للعداوة في الآخرة- فردَّ عليهم الأتباع فقالوا: {بل مَكْرُ الليلِ والنهارِ} أي: بل مكرُكم بنا في الليل والنهار.
قال الفراء: وهذا ممَّا تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إِلى غير الآدميين، والمعنى لهم.
وقال الأخفش: وهذا كقوله: {مِنْ قريتك التي أخرجَتْكَ} [محمد: 13]، قال جرير:
لقد لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرَى ** ونِمْتِ وَما لَيْلُ المَطِيِّ بِنائمِ

وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: {بل مَكَرَ} بفتح الكاف والراء {الليلُ والنهارُ} برفعهما.
وقرأ ابن يعمر: {بل مَكْرُ} باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها {الليلَ والنهارَ} بنصبهما.
قوله تعالى: {إِذ تأمُروننا أن نكفُر بالله} وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إِنَّ دِيننا حقّ ومحمد كذّاب، {وأَسرُّوا النَّدامة} وقد سبق بيانه في [يونس: 54].
قوله تعالى: {وجَعَلْنا الأغلالَ في أعناق الذين كَفَروا} إِذا دخلوا جهنم غُلَّت أيديهم إِلى أعناقهم، وقالت لهم خَزَنة جهنم: هل تُجَزون إِلا ما كنتم تعملون في الدنيا.
قال أبو عبيدة: مجاز هل هاهنا مجاز الإِيجاب، وليس باستفهام؛ والمعنى: ما تُجزَون إِلا ما كنتم تعملون.
{وما أرسَلْنا في قرية من نذير} أي: نبيّ يُنْذِر {إِلاَّ قالَ مُتْرَفوها} وهم أغنياؤها ورؤساؤها.
قوله تعالى: {وقالوا نحن أكثرُ أموالًا وأولادًا}.
في المشار إِليهم قولان.
أحدهما: أنهم المُتْرَفون من كل أُمَّة.
والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خوَّلهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: {وما نحن بمعذَّبين} لأن الله أحسن إِلينا بما أعطانا فلا يعذِّبنا، فأخبر أنه {يبسُط الرِّزق لمن يشاء ويَقْدِر} والمعنى أنَّ بَسْطَ الرِّزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أنَّ البَسْطَ يدلُّ على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} ذلك.
ثم صرح بهذا المعنى بقوله: {وما أموالُكم ولا أولادُكم بالَّتي تقرّبُكم عندنا زُلْفى} قال الفراء: يصلُح أن تقع التي على الأموال والأولاد جميعًا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع؛ وإِن شئت وجَّهتَ التي إِلى الأموال، واكتفيتَ بها من ذِكْر الأولاد؛ وأنشد لمرّار الأسدي:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا ** عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

وقد شرحنا هذا في قوله: {ولا يُنْفِقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقرِّبكم، ولا أولادكم بالذين يقرِّبونكم، فحُذف اختصارًا.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وأَبو الجوزاء: {باللاتي تقرِّبكم}.
قال الأخفش: و {زُلْفى} هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقرِّبكم عندنا ازْدِلافًا.
وقال ابن قتيبة: {زُلْفى} أي: قُرْبى ومَنْزِلةً عِندنا.
قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} قال الزجاج: المعنى: ما تقرِّبُ الأموالُ إِلاَّ من آمن وعمل بها في طاعة الله، {فأولئك لهم جزاء الضِّعف} والمراد به هاهنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاء الضِّعف الذي قد أعلمتُكم مقداره.
وقال ابن قتيبة: لم يُرِدْ فيما يَرى أهلُ النظر- والله أعلم أنهم يُجازَون بواحدٍ مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مِثْل يُضَمُّ إِلى مِثْلٍ ما بَلَغ، وكأنَّ الضِّعفَ الزيادةُ، فالمعنى: لهم جزاء الزيادة.
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: {لهم جزاء} بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلًا {الضِّعفُ} بالرفع.
وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: {لهم جزاء} بالرفع والتنوين {الضِّعفُ} بالرفع.
قوله تعالى: {وهم في الغُرُفات} يعني في غُرَف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية.
وقرأ حمزة: {في الغُرْفة} على التوحيد؛ أراد اسم الجنس.
وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: {في الغُرْفات} بضم الغين وسكون الراء مع الألف.
وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف {آمنون} من الموت والغير.
وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج: 51، الرعد: 26] إِلى قوله: {وما أَنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُه} أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف اللّهُ له وعليه: إِذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال.
أحدهما: ما أنفقتم من غير إِسراف ولا تقتير فهو يُخْلِفُه، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي.
والثالث: ما أنفقتم في الخير والبِرِّ فهو يُخْلِفه، إِمَّا أن يعجِّلَه في الدنيا، أو يدَّخرَه لكم في الآخرة، قاله ابن السائب.
والرابع: أن الإِنسان قد يُنفق ماله في الخير ولا يرى له خَلَفًا أبدًا؛ وإِنما معنى الآية: ما كان من خَلَف فهو منه، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {وهو خير الرَّازِقِين} لمَّا دار على الألسن أن السلطان يرزُق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المُعْطِين.
قوله تعالى: {ويوم يحشُرُهم جميعًا} يعني المشركين؛ وقال مقاتل: يعني الملائكة ومَنْ عَبَدها {ثُمَّ يقولُ للملائكة أهؤلاء إِيَّاكم كانوا يعبُدونَ} وهذا استفهام تقرير وتوبيخ للعابدين؛ فنزَّهت الملائكةُ ربَّها عن الشِّرك ف {قالوا سبحانك} أي: تنزيهًا لك مما أضافوه إِليك من الشركاء {أنت وليُّنا مِنْ دونهم} أي: نحن نتبرَّأُ إِليك منهم، ما تولَّينا ولا اتَّخذناهم عابدين، ولسنا نريد وليًّا غيرك.
{بل كانوا يعبُدون الجِنَّ} أي: يُطيعون الشياطين في عبادتهم إِيَّانا {أكثرُهم بهم} أي: بالشياطين {مُؤْمِنون} أي: مصدِّقون لهم فيما يُخبرونهم من الكذب أن الملائكةَ بناتُ الله، فيقول الله تعالى: {فاليومَ} يعني في الآخرة {لا يملكُ بعضُكم لبعض} يعني العابدين والمعبودين {نَفْعًا} بالشفاعة {ولا ضَرًّا} بالتعذيب {ونقولُ للَّذين ظَلَموا} فعبدوا غير الله {ذُوقوا عذاب النَّار} الآية.
ثم أخبر أنهم يكذِّبون محمدًا والقرآن بالآية التي تلي هذه، وتفسيرها ظاهر.
ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بيِّنة، ولم يكذِّبوا محمدًا عن يقين، ولم يأتهم قبله كتاب ولا نبيّ يخبرهم بفساد أمره، فقال: {وما آتيناهم من كُتُب يدرُسونها} قال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتابًا قبل القرآن ولا بعث إِليهم نبيًّا قبل محمد؛ وهذا محمول على الذين أنذرهم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقد كان إِسماعيل نذيرًا للعرب.
ثم أخبر عن عاقبة المكذِّبين قبلهم مخوِّفًا لهم، فقال: {وكذَّب الذين مِنْ قبلهم} يعني الأمم الكافرة {وما بَلَغوا معشار ما آتيناهم} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: ما بلغ كفار مكة معشار ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوَّة والمال وطول العمر، قاله الجمهور.